سورة فصلت - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}
والمعنى: أنكم كنتم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش، وما كان استتاركم ذلك خيفة أن يشهد عليكم جوارحكم؛ لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم، بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلاً، ولكنكم إنما استترتم لظنكم {أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا} كنتم {تَعْمَلُونَ} وهو الخفيات من أعمالكم، وذلك الظنّ هو الذي أهلككم. وفي هذا تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه، ولا يزل عن ذهنه أن عليه من الله عيناً كالئة ورقيباً مهيمناً، حتى يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب وأحسن احتشاماً وأوفر تحفظاً وتصوناً منه مع الملأ، ولا يتبسط في سره مراقبة من التشبه بهؤلاء الظانين. وقرئ: {ولكن زعمتم} {وَذَلِكُمْ} رفع بالابتداء، و{ظَنُّكُمُ} و{أَرْدَاكُمْ} خبران، ويجوز أن يكون {ظَنُّكُمُ} بدلاً من {وَذَلِكُمْ} و{أرادكم} الخبر.


{فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)}
{فَإِن يَصْبِرُواْ} لم ينفعهم الصبر، ولم ينفكوا به من الثواء في النار، {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ} وإن يسألوا العتبى وهي الرجوع لهم إلى ما يحبون جزعاً مما هم فيه: لم يعتبوا: لم يعطوا العتبى ولم يجابوا إليها، ونحوه قوله عزّ وعلا: {أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} [إبراهيم: 21] وقرئ: {وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين} أي: إن سئلوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون، أي: لا سبيل لهم إلى ذلك {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ} وقدّرنا لهم، يعني لمشركي مكة: يقال: هذان ثوبان قيضان: إذا كانا متكافئين. والمقايضة: المعاوضة {قُرَنَاء} أخداناً من الشياطين جمع قرين، كقوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] فإن قلت: كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم؟ قلت: معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين. والدليل عليه (ومن يعش) نقيض {ما بين أيديهم وما خلفهم} ما تقدّم من أعمالهم وما هم عازمون عليها. أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات، وما خلفهم: من أمر العاقبة، وأن لا بعث ولا حساب {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} يعني كلمة العذاب {فِى أُمَمٍ} في جملة أمم. ومثل في هذه ما في قوله:
إنّ تَكُ عَنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعَةِ مَأْ *** فُوكاً فَفِي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا
يريد: فأنت في جملة آخرين، وأنت في عداد آخرين لست في ذلك بأوحد.
فإن قلت: {فِى أُمَمٍ} ما محله؟ قلت: محله النصب على الحال من الضمير في عليهم أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم {إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} تعليل لاستحقاقهم العذاب. والضمير لهم وللأمم.


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)}
قرئ: {والغوا فيه} بفتح الغين وضمها. ويقال: لغى يلغى، ولغا يلغو: واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته. قال: من اللغا ورفث التكلم. والمعنى: لا تسمعوا له إذا قرئ، وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والهذيان والزمل، وما أشبه ذلك، حتى تخلطوا على القارئ وتشوشوا عليه وتغلبوه على قراءته. كانت قريش يوصي بذلك بعضهم بعضاً {فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ} يجوز أن يريد بالذين كفروا: هؤلاء اللاغين والآمرين لهم باللغو خاصة، وأن يذكر الذين كفروا عامة لينطووا تحت ذكرهم. قد ذكرنا إضافة أسوأ بما أغنى عن إعادته.
وعن ابن عباس {عَذَاباً شَدِيداً} يوم بدر. و{أَسْوَأَ الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الآخرة {ذلك} إشارة إلى الأسوأ، ويجب أن يكون التقدير: أسوأ جزاء الذين كانوا يعملون، حتى تستقيم هذه الإشارة. و{النار} عطف بيان للجزاء. أو خبر مبتدأ محذوف.
فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ}؟ قلت: معناه أن النار في نفسها دار الخلد، كقوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] والمعنى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وتقول لك في هذه الدار دار السرور. وأنت تعنى الدار بعينها {جَزَاء بما كانوا بآياتنا يجحدون} أي: جزاء بما كانوا يلغون فيها، فذكر الجحود الذي سبب اللغو.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8